بقلم د/ عبدالله الصبي
عندما يولد الطفل تعم الفرحة أسرته ، سواء كان هذا الطفل ذكراً أو أنثى ، وإن اختلفت التعبيرات ، ولكن عندما تكتشف الأسرة أن طفلها معاق ، فإنها تمر بمرحلة الصدمة ، غير مصدقة ما يدور حولها ، ثم مرحلة الإنكار والهروب من الحقيقة المرّة ، وتليها مرحلة التجاهل ، أما تجاهل الحالة أو تجاهل الطفل نفسه ، وتنتهي بمرحلة الاستسلام للواقع مهما كان مراً ، وكل مرحلة من هذه المراحل يمكن التحكم في مدى تأثيرها على الوالدين عن طريق مساعدة الآخرين ، ففي المرحلة الأولى يلعب الطاقم الطبي الدور الرئيسي في نقل الخبر بطريقة مدروسة ، ولتوضيح جميع النقاط عن الحالة وأساليب التعامل معها ، تلك يمكن أن تختزل المرحلة وتجعل العائلة تتقبل الطفل ، كما تساعد على بث الأمل فيهم.
الأسرة العربية لديها الكثير من المعوقات المادية والاجتماعية ، وعندما يكون لديها طفل معاق تزداد تلك المعوقات والحواجز ، فالبدء بطريقة نقل الخبر غير المدروس ، والتشخيص قد يأخذ الكثير من الوقت والجهد بين الحكماء والمستشفيات ، وتدخل العائلة مرحلة الاستسلام وفقدان الأمل ، مما يؤثر على العلاقة بين الطفل وعائلته .
الأسرة العربية تفتقد إلى التنظيمات الأهلية المتخصصة ، التي تقوم بدور المؤازرة والتوعية للعائلة ، وهذا بدوره ينعكس على الطفل ، كما أن الطفل المعاق يحتاج إلى التعليم الخاص والتدريب ، والمنزل خير مدرسة ، ولكن هناك الكثير من القصور في الناحية التدريبية والتوجيهه ، كما ان الكثير من الأسر لا يرغبون في معرفة المجتمع بوجود طفل معاق لديهم ، يدفنون رؤوسهم في الرمال كالنّعام ، لينعكس ذلك بالابتعاد عن المجتمع ، ومزيداً من حرمان الطفل من التفاعل مع مجتمعه.
إذا كانت الأسرة متقبلة لحال الطفل ، راضية بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره ، وأن لله حكمة في هذا البلاء ، وأن من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته ، تلك الحقائق مع الدعم المعنوي والتثقيفي من المجتمع تمنح الأسرة الكثير من الاستقرار والاقتناع ، وتلك هي النقطة الرئيسة للبداية السليمة في مشوار الرعاية والحنان ، مما ينعكس إيجاباً على الطفل .
الصــــــــــــــــــــدمـــــــــة:
كم هي مؤلمة تلك اللحظات التي يتلقى فيها الوالدين الخبر بأن طفلهم مصاب بمتلازمة الصلب المشقوق ، ولكن 0000تمشي الرياح بما لا تشتهي السفن ، ينزل الخبر عليهم كصخرة كبيرة ، وتأخذهم الصدمة بعيداً ، وتتطاير الأفكار هنا وهناك ، كفقاعات الصابون ، جميع العواطف يمكن توقعها ، وهو رد فعل طبيعي لدى الجميع ، من الغضب إلى الحزن ، الإحساس بالذنب ، الخجل واليأس ، وحتى عدم تقبل الحقيقة أو الطفل.
الأم والطــــــــــــــــــفل:
عندما ترى الأم هذا الطفل ، هل ترى فلذة كبدها ؟ أم ترى طفلاً معوقاً ؟ تلك الحقيقة تجلي الكثير من الأمور ، لتبرز عاطفة الأمومة الجيّاشة ، وإن كان هناك حاجز الصدمة ، فيمكن تخطيها بالإيمان بالله وقدرته ، وبمساعدة الأهل وتذكيرهم بأنه اختبار للصبر واحتساب الأجر ، ويلعب الطاقم الطبي دوراً مهماً في التّهوين على الوالدين ، وإيضاح نقاط الأمل وليس الألم.
العائلة والطفل:
مع تشخيص الحالة ، تبدأ آلآم الوالدين والعائلة كاملة في رعاية الطفل ، وتجول الأسئلة في خواطر الوالدين
o لماذا نحن؟
o ما هي الأسباب ؟
o هل كان بالإمكان منع حدوثه ؟
o ما هو مستقبله ؟
o ماذا نستطيع أن نعمله له ؟
o هل من علاج ؟
في لحظة الصدمة قد يسيطر على الوالدين أو أحدهما شعور خاص ، شعور سلبي يكون عقبة في الطريق إلى تقبل الطفل ، ولكن مع وقوف الوالدين كلاً يشد أزر الآخر ، ومساعدة الطاقم الطبي المتمرس ، والإيمان بالله وعطائه ، والتبصر حول عطاء الله لكل خير سابق ، كل ذلك سيقلل من شدة الصدمة ، ويجعل قبوله كفرد من العائلة أمراً مقبولاً.
العائلة والمجتمع :
سيكون للأهل والأقرباء دوراً مهماً في العلاقة بين الطفل ووالديه ، وأسلوب حياتهم اليومية والاجتماعية ، يؤثر سلباً وإيجابا على هذه العلاقة ، فكلمات الرثاء ، وعندما يقال عنه كلمات غير سوية ، قد تؤدي إلي إحباط الوالدين وانعزالهم عن الآخرين ، يخفون طفلهم ، والطريق السليم هو تجاهل ما يقول الآخرين ، وإخبار الأصدقاء بأنه طفل كغيره ،كما أنه معاق فله مقدرته الخاصة ، وان رعايتكم له ستجعله في وضع أفضل ، لا تجعلوه مدار الحديث مع الآخرين ، ولا تبحثوا عن طريقه المواساة من الآخرين ، اجعلوا حياتكم طبيعية ما أمكن ، بالخروج للمنتزهات والأسواق ، ولا تجعلوه عذراً للتقوقع والانعزال عن الآخرين.
كيفية التعرف على الطفل والتعامل معه :
الوالدين والعائلة يستطيعون بناء الطريق للتعامل مع هذا الطفل ، بمعرفة قدراته ، والتعامل في حدودها ، وعدم الطلب منه فوق قدراته ، فتلك لها انعكاسات سلبية ، وإن بناء قدراته تعتمد على العائلة التي تستطيع جعله في وضع أفضل بالتدريب والصبر ، وان الحب والحنان جزء مهم لزيادة الترابط.
لن يفهم العائلة وشعورها إلاّ من كان لديه طفل مصاب مثلهم ، وهؤلاء يمكن الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم ، كما يمكن الاستفادة من الطاقم الطبي والخبراء في المعاهد المتخصصة.
ما هي نقاط التدريب الأساسية ؟
يحتاج الطفل إلى التدريب الحركي والتعليمي والسلوكي ، في كل مرحلة من مراحل حياته ، ومن أهم نقاط التدريب الأساسية :
” التدريب على الحركة
” التدريب على التواصل والنطق
” التدريب على قضاء الحاجة في الحمام
” التدريب على العناية بالنفس ( تغيير الملابس ، غسيل الوجه والبدن ، تنظيف الأسنان ، وغيرها )
” التغذية ( طريقة الأكل ، استخدام الأواني ، أوقات ونوعيات الأكل )
” المساعدة في المنزل
” الرياضة بأنواعها
كيفية التدريب ؟
كلما كان تدخل الأهل مبكراً ومكثفاً ، كانت فرص التحسن أكثر وأكبر ، وهذا التدخل بالتدريب يجب أن يكون واضحاً مستمراً وباتجاه واحد ، وتربية طفل متلازمة الصلب المشقوق لا تختلف عن تربية بقية الأطفال ، ولكنها تحتاج إلى المثابرة والصبر ، فالأهل يستطيعون أن يعلموا طفلهم الكثير من المهارات البسيطة اليومية والتعامل الاجتماعي ، وهناك نقاط لابد من توضيحها :
” الطفل يتعلم بسرعة ، إذا كان ما يتعلمه فيه متعة
” الطفل يرغب في التشجيع والمكافئة
” الطفل يتعلم المهارة الجديدة إذا جزئت إلى خطوات بسيطة بدلاً عن دفعة واحدة
” مساعدة الطفل على أداء المهارة ، ثم تقليل الاعتماد بصورة تدريجية
” تعليم المهارة الأبسط ثم التدرج إلى أنواع أخرى ( درجة درجة )
” لكل مرحلة عمرية قدراتها
” لكل طفل قدراته الخاصة
” المثابرة والصبر ، فقد تحتاج المهارة الواحدة مدة طويلة